الأحد، 17 أكتوبر 2010

ممر أم مقر


كل فرد في المجتمع تقع على كاهله مسؤولية, اما مسؤولية واسعة واما مسؤولية ذات نطاق محدود. قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته", البائع مسؤول عن بضاعته والزوج مسؤول عن زوجته وعياله والمدرس مسؤول عن طلبته والحاكم مسؤول عن أفراد مجتمعه بل وحتى الذي لا يشغل منصبا وليس لديه عمل, مسؤول عما يخرج من فمه من كلمات ممكن أن تؤثر في عقول من حوله.

يقول الشهيد مرتضى مطهري رحمه الله "ان الحياة المعنوية في الانسان, تلك الحياة التي تكمن بذورها في كل انسان تستقي رشدها وكمالها من أعمالها و أهدافها. فكمال الانسان وسعادته, وكذلك سقوطه وشقاؤه, يعتمدان على حياة الانسان المعنوية التي تعتمد بدورها على أعماله ونياته وأهدافه وما يستهدفه من مسيرته"(1). نستخلص من كلام الشهيد رحمه الله, أن الانسان الرشيد يجب أن يكون له أهداف, ونياته وأعماله سليمة. محاسبة النفس هي واحدة من الطرق التي تسمو بأعمال الانسان الى مرحلة تضمن بقائه سعيدا بعيدا عن الشقاوة, فمحاسبة النفس من موجبات التربية الروحية وتقويمها حتى تلتزم بالصراط المستقيم.

القرآن معجزة, وما موجود بين دفتيه هو كلام الله عز وجل , وكلام الله كله خير وبركه ومواعظ وحكم, فهو يصلح لكل زمان ومكان. قال تعالى في محكم كتابه (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ)(2) هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه, والسؤال هنا عن ولايته, وليس هذا محضر تحقيق ولا هو ديدن بحثي فهي من المسلمات لدى الخاصة وموضع خلاف لدى العامة. ما أريد أن أقوله, هو أن كل انسان مسؤول عن تصرفاته وأعماله وقراراته من مبدأ (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى)(3), فالمسؤول الذي يملك سلطة أيا كانت هذه السلطة هو محاسب عن جميع قراراته وأفعاله وليعلم كل من لديه منصب وكرسي أن لو دامت لغيرك ما اتصلت اليك, وأنه سيأتي يوم تجلس فيه في البيت وليس لديك سلطة الا في حدود جدرانك, ويليه يوم تكون قابعا في حفرة وليس لديك أي سلطة.

كيف نرتقي بالمسؤولية؟

الارتقاء بالمسؤولية تحتاج الى عدة عوامل, منها تحديد الأهداف ومخافة الله, فلا يمكن أن نحدد أهداف دون الالتفات الى القوانين الالهية. فلا يوجد في ديننا الحنيف نظرية كنظرية ميكافيللي "الغاية تبرر الوسيلة" فلا بد أن نستعين بالشرع الذي هو يعتبر الملاذ الأول والأخير والمنقذ من الثبور. يقول النابغة الشهيد مرتضى مطهري في كتابه الانسان والايمان " أن الإنسان لا يتمكن من الحياة السليمة أو أنه ينجز عملا مفيدا مثمرا للإنسانية والمدنية الإنسانية بلا أن تكون له فكرة وهدف وإيمان، فالإنسان الفاقد للفكرة والإيمان إما أن يكون بصورة موجود غارق في الأنانية بحيث لا يخرج أبدا من حيز مصالحة الشخصية وأما أن يكون بصورة موجودة متردد حائر لا يعرف واجبه في الحياة والقضايا الأخلاقية والاجتماعية. ويضطر إلى إبداء رد فعل خاص في مقابل هذه القضايا"(4).

فلتعلم أيها المسؤول, الزوج, المدرس, البائع...الخ, أن هناك حساب وعقاب وأن الدنيا كما قال الامام أمير المؤمنين صلوات الله عليه"الدنيا دار ممر لا دار مقر"(5) وسأختم هنا بأبيات رائعة من روائع أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

ِالنفسُ تبكي على الدنيا وقد علمت *** أن السعادة فيها ترك ما فيهــــــا
لا دارٌ للمرءِ بعد الموت يسكُنـــهـا***إلا التي كانَ قبل الموتِ بانيـــــها
فإن بناها بخير طاب مسكنُــــــــه *** وإن بناها بشر خاب بانيـــــــــها
أموالنا لذوي الميراث نجمعُهــــــا ***ودورنا لخراب الدهر نبنيهـــــــا
أين الملـــــوك التي ِِِمتسلطنة***حتى سقاها بكأس الموت ساقيـها
فكم مدائنٍ في الآفاق قـــدِِ بنـــــيت***أمست خرابا وأفنى الموتُ أهليها
لا تركِنَنَّ إلى الدنيا وما فيهــــــــا ***فالموت لا شك يُفنينا ويُفنيـــــــها
لكل نفس وان كانت على وجــــــلٍ***من المَنِيَّةِ آمـــالٌ تقويهـــــــــــــا
المرء يبسطها والدهر يقبضُهـــــا ***والنفس تنشرها والموت يطويهـا
إنما المكارم أخلاقٌ مطهـــــــــرةٌ ***الـدين أولها والعقل ثانيهـــــــــــا
والعلم ثالثها والحلم رابعهـــــــــا *** والجود خامسها والفضل سادسها
والبر سابعها والشكر ثامنهـــــــا ***والصبر تاسعها واللين باقيهـــــــا
والنفس تعلم أني لا أصادقهـــــــا ***ولست ارشدُ إلا حين اعصيهـــــا
واعمل لدار غداً رضوانُ خازنها ***والجــار احمد والرحمن ناشيهــــا
قصورها ذهب والمسك طينتهــــا***والزعفـران حشيشٌ نابتٌ فيهـــــا
أنهارها لبنٌ محضٌ ومن عســـل ***والخمريجري رحيقاً في مجاريها
والطيرتجري على الأغصان عاكفةً***تسبـحُ الله جهراً في مغانيهـــــا
من يشتري الدار في الفردوس يعمرها***بركعةٍ في ظلام الليل يحييها

يا كافيا من كل شئ ولا يكفي منك شئ في السماوات والارض اكفني ما أهمني من أمر الدنيا والآخرة وصلى الله على محمد وآله.


1. الولاء والولاية , ص 69.
2. الصافات, 24.
3. القيامة, 36.
4. الانسان والايمان.
5. شرح نهج البلاغة.