السبت، 5 يونيو 2010

الحكمة الخفية والأسباب الجوهرية







(فَاِنْ أَبْطأَ عَنّي عَتَبْتُ بِجَهْلي عَلَيْكَ ، وَلَعَلَّ الَّذي اَبْطأَ عَنّي هُوَ خَيْرٌ لي لِعِلْمِكَ بِعاقِبَةِ الاُْمُورِ)
دعاء الافتتاح

ان العبد ليدعو الله في جوف الليل وفي شهر رمضان وفي المشاهد المشرفة وفي يوم عرفة وفي بعض الأحيان لا يستجاب لدعائه لحكمة خفية أو لأسباب جوهرية. قال تعالى: "خلق الانسان من عجل"(1)"كان الانسان عجولا"(2) ومما يروى عن أمير المؤمنين الامام علي عليه السلام أنه أوقف فرسه مرة عند باب مسجد وقبل أن يدخلل ليصلي استأمن أحد الواقفين عند الباب على فرسه وعلى السرج الذي عليه ... فطمع الرجل المستأمن على الفرس وسرق سرج الفرس وهرب إلى السوق وباعه هناك ... ولما خرج الإمام علي عليه السلام من المسجد لم يجد الرجل ولا السرج فذهب إلى السوق ليشتري سرجا آخر حتى يستطيع ركوب الفرس ، وقد أدهشه أن وجد سرج فرسه نفسه معروض للبيع في السوق فسأل صاحب الدكان بكم يبيعه ..؟؟ - فقال البائع : بعشرة دراهم ...- فقال له الإمام : وبكم باعك السرج من أحضره لك .. ؟؟ - قال البائع : بخمسة دراهم ..فاشترى الإمام عليه السلام السرج وقال : سبحان الله ، لقد كنت أنوي أن أدفع للرجل السارق خمسة دراهم عند خروجي من المسجد لقاء أمانته .. لكنه أستعجل رزقه وسرق السرج وباعه .. ولو لم يستعجل رزقه بالحرام لأخذه بالحلال.
أن الانسان دائما يكون عجولا من أمره ويريد أن تتحقق كل أحلامه ومطالبه ,وأن يأتيه رزقه بسرعة الضوء.فالحكمة الخفية في عدم استجابة الدعاء ربما لا تكون بالنفي المطلق وعدم الاستجابة الأبدية, ولكن لعل الله تعالى اختزن ما هو خير من طلبك في الدنيا ليكافئك على صبرك في الآخرة كما قال أمير المؤمنين عليه السلام ( ربما أخرت من العبد إجابة الدعاء ، ليكون أعظم لاجر السائل ، وأجزل لعطاء الآمل)(3), فهناك بالتأكيد مصلحة في عدم الاستجابة الفورية منها الشوق الى سماع صوت المؤمن, ورفع مرتبته يوم الحساب أو تكفير عن ذنب سابق.
قال تعالى﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾(4), فمن الممكن أن يعيش الانسان في عالم العجب بعد أن تتحقق جميع مطالبه ومن ثم تدخل الفتنة في عباداته ويعجب في نفسه ويتباعد شيئا فشيئا عن خالقه كما قال الامام الباقر عليه السلام عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : " قال الله تعالى : إن من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي إلى أن فاض به النعاس الليلة والليلتين نظرا مني له وابقاء عليه ، ولو أخلي بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله العجب من ذلك ، فيصيره العجب إلى الفتنة بأعماله فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه ، لعجبه بأعماله ، ورضاه عن نفسه ، فيتباعد مني عند ذلك وهو يظن أنه يتقرب إلي "(5) وهذه من الأسباب الجوهرية.
اللهم اجعل عواقب أمورنا خيرا
1. الأنبياء, 37.
2. الاسراء, 11.
3. بحار الأنوار, ج90, ص372.
4. البقرة, 216.
5. جواهر الكلام, ج2, ص101.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق